فصل: تقدير بعض الحقوق الشّرعيّة بالدّراهم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


دراهم

التّعريف

1 - الدّراهم جمع درهم، وهو لفظ معرّب، وهو نوع من النّقد ضرب من الفضّة كوسيلة للتّعامل، وتختلف أنواعه وأوزانه باختلاف البلاد الّتي تتداوله وتتعامل به‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الدّنانير‏:‏

2 - الدّنانير جمع دينار، وهو معرّب، قال أبو منصور‏:‏ دينار أصله أعجميّ غير أنّ العرب تكلّمت به فصار عربيّاً‏.‏ والدّينار اسم للقطعة من الذّهب المضروبة المقدّرة بالمثقال‏.‏ فهي تختلف عن الدّراهم في أنّها من الذّهب في حين أنّ الدّراهم من الفضّة‏.‏

ب - النّقد‏.‏

3 - للنّقد ثلاثة معان فيطلق على الحلول أي خلاف النّسيئة، وعلى إعطاء النّقد، وعلى تميّز الدّراهم وإخراج الزّيف منها، ومطلق النّقد ويراد به ما ضرب من الدّراهم والدّنانير الّتي يتعامل بها النّاس‏.‏

ج - الفلوس‏:‏

4 - الفلوس جمع فلس، وتطلق الفلوس ويراد بها ما ضرب من المعادن من غير الذّهب والفضّة، وصارت عرفاً في التّعامل وثمناً باصطلاح النّاس‏.‏

د - سكّة‏:‏

5 - السّكّ‏:‏ تضبيب الباب أو الخشب بالحديد‏.‏

والسّكّة‏:‏ حديدة قد كتب عليها، ويضرب عليها الدّراهم، وهي المنقوشة ثمّ نقل إلى أثرها وهي النّقوش الماثلة على الدّنانير والدّراهم، ثمّ نقل إلى القيام على ذلك، وهي الوظيفة فصار علماً عليها في عرف الدّول، وتسمّى الدّراهم المضروبة سكّةً‏.‏

الدّرهم الإسلاميّ وكيفيّة تحديده وتقديره

6 - كانت الدّراهم المضروبة قبل الإسلام متعدّدةً مختلفة الأوزان، وكانت ترد إلى العرب من الأمم المجاورة فكانوا يتعاملون بها، لا باعتبار العدد بل بأوزان اصطلحوا عليها، وجاء الإسلام وأقرّهم على هذه الأوزان كما جاء في قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «الوزن وزن أهل مكّة، والمكيال مكيال أهل المدينة»‏.‏

ولمّا احتاج المسلمون إلى تقدير الدّرهم في الزّكاة كان لا بدّ من وزن محدّد للدّرهم يقدّر النّصاب على أساسه، فجمعت الدّراهم المختلفة الوزن وأخذ الوسط منها، واعتبر هو الدّرهم الشّرعيّ، وهو الّذي تزن العشرة منه سبعة مثاقيل من الذّهب، فضربت الدّراهم الإسلاميّة على هذا الأساس، وهذا أمر متّفق عليه بين علماء المسلمين، فقهاء ومؤرّخين، لكنّهم اختلفوا في العهد الّذي تمّ فيه هذا التّحديد، فقيل إنّ ذلك تمّ في عهد عمر بن الخطّاب رضي الله تعالى عنه، وقيل إنّ ذلك تمّ في عهد بني أميّة، وسواء كان ذلك تمّ في عهد عمر أم في عهد بني أميّة فإنّ الدّرهم الشّرعيّ الّذي استقرّ الأمر عليه هو الّذي ضرب في عهد عبد الملك بن مروان وكان هو أساس التّقادير الشّرعيّة‏.‏

لكنّ الفقهاء والمؤرّخين أثبتوا أنّ الدّرهم الشّرعيّ لم يبق على الوضع الّذي استقرّ عليه الإجماع في عهد عبد الملك، بل أصابه تغيير كبير في الوزن والعيار من بلد إلى بلد، وصار أهل كلّ بلد يستخرجون الحقوق الشّرعيّة من نقدهم بمعرفة النّسبة الّتي بينها وبين مقاديرها الشّرعيّة إلى أن قيل‏:‏ يفتى في كلّ بلد بوزنهم‏.‏

ونشأ من ذلك اضطراب في معرفة الأنصبة، وهل تقدّر بالوزن أو بالعدد‏؟‏

وأصبح الوصول إلى معرفة الدّينار الشّرعيّ المجمع عليه غايةً تمنع هذا الاضطراب‏.‏

وإلى عهد قريب لم يصل الفقهاء إلى معرفة ذلك حتّى أثبت المؤرّخ عليّ باشا مبارك - بواسطة استقراء النّقود الإسلاميّة المحفوظة في دور الآثار بالدّول الأجنبيّة - أنّ دينار عبد الملك بن مروان يزن ‏"‏25،4 ‏"‏جرام من الذّهب، وبذلك يكون وزن الدّرهم‏.‏ ‏"‏975،2‏"‏جراماً من الفضّة‏.‏ وهذا هو الّذي يعتبر معياراً في استخراج الحقوق الشّرعيّة من زكاة، ودية، وتحديد صداق، ونصاب سرقة، وغير ذلك‏.‏

من يتولّى ضرب الدّراهم

7 - ضرب الدّراهم وظيفة ضروريّة للدّولة، إذ بها يتميّز الخالص من المغشوش بين النّاس في النّقود عند المعاملات، ويتّقى الغشّ بختم السّلطان عليها بالنّقوش المعروفة‏.‏

وقد قال الإمام أحمد في رواية جعفر بن محمّد‏:‏ لا يصلح ضرب الدّراهم إلاّ في دار الضّرب بإذن السّلطان، لأنّ النّاس إن رخّص لهم ركبوا العظائم، فقد منع الإمام أحمد من الضّرب بغير إذن السّلطان لما فيه من الافتيات عليه‏.‏

وفي الرّوضة للنّوويّ‏:‏ يكره للرّعيّة ضرب الدّراهم وإن كانت خالصةً، لأنّ ضرب الدّراهم من شأن الإمام‏.‏ وذكر البلاذريّ أنّ عمر بن عبد العزيز أتي برجل يضرب على غير سكّة السّلطان فعاقبه وسجنه وأخذ حديده فطرحه في النّار، وحكى البلاذريّ أنّ عبد الملك بن مروان أخذ رجلاً يضرب على غير سكّة المسلمين فأراد قطع يده ثمّ ترك ذلك وعاقبه، قال المطّلب بن عبد اللّه بن حنطب‏:‏ فرأيت من بالمدينة من شيوخنا حسّنوا ذلك من فعله‏.‏

حكم كسر الدّراهم وقطعها

8 - اختلف الفقهاء في حكم كسر الدّراهم وقطعها، فذهب مالك وأحمد وأكثر فقهاء المدينة إلى كراهية ذلك مطلقاً، لحاجة ولغير حاجة، لأنّه من جملة الفساد في الأرض وينكر على فاعله، وقد روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم «أنّه نهى عن كسر سكّة المسلمين الجائزة بينهم»‏.‏

والكراهة عند الإمام أحمد للتّحريم على ما جاء في رواية جعفر بن محمّد ورواية المروزيّ ورواية حرب - وقد سئل عن كسر الدّراهم - فقال‏:‏ هو عندي من الفساد في الأرض وكرهه كراهةً شديدةً‏.‏ لكنّه صرّح في رواية أبي طالب أنّها كراهة تنزيه، قال أبو طالب‏:‏ سألت أحمد عن الدّراهم تقطّع فقال‏:‏ لا، «نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن كسر سكّة المسلمين»، وقيل له‏:‏ فمن كسره عليه شيء‏؟‏ قال‏:‏ لا، ولكن قد فعل ما نهى عنه النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال أبو يعلى‏:‏ وقوله‏:‏ لا شيء عليه، معناه لا مأثم عليه‏.‏

وذهب أبو حنيفة وفقهاء العراق إلى أنّ كسرها غير مكروه‏.‏

وفصّل قوم، فقال الشّافعيّ‏:‏ إن كسرها لحاجة لم يكره له، وإن كسرها لغير حاجة كره له، لأنّ إدخال النّقص على المال من غير حاجة سفه‏.‏

واعتبر ابن عبد البرّ حال البلد فقال‏:‏ إنّ كراهة القطع محمول عندي على بلد لا يجوز فيه القطع، ولا ينفق المقطوع من الدّراهم نفاق الصّحيح‏.‏

واعتبر ابن القاسم من المالكيّة قطع السّكّة مانعاً من الشّهادة، وروى عنه ابن الموّاز‏:‏ إلاّ أن يعذر بجهل، وقال عنه العتبيّ‏:‏ لا يجوز وإن كان جاهلاً‏.‏

وقال سحنون‏:‏ ليس قطع الدّنانير والدّراهم بجرحة‏.‏

قال بعض الشّيوخ‏:‏ وهذا الاختلاف إنّما هو إذا قطعها وهي وازنة فردّها ناقصةً والبلد لا تجوز فيه إلاّ وازنة، وهي تجري فيه عددًا بغير وزن، فانتفع بما قطع منها، وينفقها بغير وزن فتجرى مجرى الوازنة، فلا خلاف في أنّ ذلك جرحة، ولو قطّعها وكان التّبايع بها بالميزان فلا خلاف أنّ التّبايع بها ليس بجرحة، وإن كان عالماً فذلك مكروه‏.‏

أمّا قطع الدّراهم لصياغتها حليّاً للنّساء، فقد قال ابن القاسم وابن وهب‏:‏ لا بأس أن يقطع الرّجل الدّنانير والدّراهم حليّاً لبناته ونسائه‏.‏

وقد منع الإمام أحمد أن تقطع للصّياغة، قال في رواية بكر بن محمّد - وقد سأله عن الرّجل يقطع الدّنانير والدّراهم يصوغ منها - قال‏:‏ لا تفعل، في هذا ضرر على النّاس، ولكن يشتري تبراً مكسوراً بالفضّة‏.‏

إنفاق الدّراهم المغشوشة

9 - اختلف الفقهاء في إنفاق الدّراهم المغشوشة‏.‏ فأجاز الحنفيّة الشّراء بالدّراهم الزّائفة ولا يتعلّق العقد بعينها، بل يتعلّق بجنس تلك الدّراهم الزّيوف إن كان البائع يعلم بحالها خاصّةً لأنّه رضي بجنس الزّيوف، وإن كان البائع لا يعلم لا يتعلّق العقد بجنس المشار إليه، وإنّما يتعلّق بالجيّد من نقد تلك البلد، لأنّه لم يرض إلاّ به إذا كان لا يعلم بحالها‏.‏

ويجيز المالكيّة ذلك بشرط أن تباع لمن لا يغشّ بها النّاس بل لمن يكسّرها ويجعلها حليّاً أو غيره‏.‏ فإن باع لمن يغشّ به فسخ البيع‏.‏

وفي مغني المحتاج إن علم معيار الفضّة في الدّراهم المغشوشة صحّت المعاملة بها معيّنةً، وفي الذّمّة اتّفاقاً، وإن كان مجهولاً ففيه أربعة أوجه، أصحّها الصّحّة مطلقاً، لأنّ المقصود رواجها وهي رائجة، ولحاجة المعاملة بها‏.‏‏.‏ ثمّ قال‏:‏ ومن ملك دراهم مغشوشةً كره له إمساكها بل يسبكها ويصفّيها، قال القاضي أبو الطّيّب‏:‏ إلاّ إن كانت دراهم البلد مغشوشةً فلا يكره إمساكها‏.‏

وعند الحنابلة إن كان الغشّ يخفى لم يجز التّعامل بها روايةً واحدةً، وإن كان ظاهراً فعلى روايتين‏:‏ المنع والجواز‏.‏ وينظر تفصيل ذلك في‏:‏ ‏(‏صرف، رباً، غشّ‏)‏‏.‏

مسّ المحدث للدّراهم الّتي عليها شيء من القرآن

10 - اختلف الفقهاء في حكم مسّ المحدث - حدثاً أصغر أو أكبر - الدّراهم الّتي عليها شيء من القرآن‏.‏ فأجاز ذلك المالكيّة وهو الأصحّ عند الشّافعيّة، وفي وجه عند الحنابلة‏.‏ وسبب الجواز أنّه لا يقع عليها اسم المصحف فأشبهت كتب الفقه، ولأنّ في الاحتراز من ذلك مشقّةً، والحاجة تدعو إلى ذلك، والبلوى تعمّ فعفي عنه‏.‏

ومنع من ذلك الحنفيّة وهو مقابل الأصحّ عند الشّافعيّة والوجه الثّاني للحنابلة، لأنّ الدّراهم الّتي عليها شيء من القرآن كالورقة الّتي كتب فيها قرآن‏.‏

وكره ذلك عطاء والقاسم والشّعبيّ لأنّ القرآن مكتوب عليها‏.‏

دخول الخلاء مع حمل الدّراهم الّتي عليها اسم اللّه

11 - يكره عند جمهور الفقهاء ‏"‏ الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ‏"‏ دخول الخلاء مع حمل الدّراهم الّتي نقش عليها اسم اللّه أو شيء من القرآن، لكن قال الحنفيّة‏:‏ إن اتّخذ الإنسان لنفسه مبالًا طاهرًا في مكان طاهر لا يكره، وقال المالكيّة‏:‏ إن كانت الدّراهم مستورةً بشيء أو خاف عليها الضّياع جاز الدّخول بها‏.‏

واختلفت الأقوال عند الحنابلة‏.‏ فجاء في كشّاف القناع أنّه لا بأس بدخول الخلاء ومع الرّجل الدّراهم والدّنانير عليها اسم اللّه، قال أحمد‏:‏ أرجو ألاّ يكون به بأس، وفي المستوعب إنّ إزالة ذلك أفضل، قال في تصحيح الفروع‏:‏ ظاهر كلام كثير من الأصحاب أنّ حمل الدّراهم ونحوها كغيرها في الكراهة، وذكر ابن رجب أنّ أحمد نصّ على كراهة ذلك في رواية إسحاق بن هانئ وقال في الدّراهم‏:‏ إذا كان فيه اسم اللّه أو مكتوباً عليه ‏{‏قل هو اللّه أحد‏}‏ يكره أن يدخل اسم اللّه الخلاء‏.‏

التّصوير على الدّراهم ونحوها من النّقود

12 - صرّح الحنفيّة والشّافعيّة بأنّ الصّور الّتي على الدّراهم والدّنانير جائزة، وعلّل الحنفيّة ذلك لصغرها وعلّله الشّافعيّة بأنّها ممتهنة‏.‏

وينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏تصوير، ف / 57، ج 12 /122‏)‏‏.‏

تقدير بعض الحقوق الشّرعيّة بالدّراهم

حدّد الإسلام مقادير معيّنة بالدّراهم في بعض الحقوق الشّرعيّة ومن ذلك‏:‏

أ - الزّكاة‏:‏

13 - اتّفق الفقهاء على أنّ نصاب الفضّة الّذي يجب فيه الزّكاة مائتا درهم،قال ابن قدامة‏:‏ لا خلاف في ذلك بين علماء الإسلام‏.‏ وقد بيّنته السّنّة وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة»‏.‏

والأوقيّة أربعون درهماً بغير خلاف، فيكون ذلك مائتي درهم‏.‏

وأجمع العلماء على أنّ في مائتي درهم خمسة دراهم‏.‏ وينظر التّفصيل في‏:‏ ‏(‏زكاة‏)‏‏.‏

ب - الدّية‏:‏

14 - ذهب جمهور الفقهاء ‏"‏ المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ‏"‏ إلى أنّ الدّية إن كانت من الفضّة فإنّها تقدّر باثني عشر ألف درهم، لما روي عن ابن عبّاس‏:‏ «أنّ رجلاً من بني عديّ قتل، فجعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم ديته اثني عشر ألفاً»‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّ الدّية بالدّراهم تقدّر بعشرة آلاف درهم، لما روي عن عمر رضي الله عنه‏:‏ «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قضى بالدّية في قتيل بعشرة آلاف درهم»، وهذا بالنّسبة للرّجل المسلم‏.‏ وينظر تفصيل ذلك في‏:‏ ‏(‏ديات‏)‏‏.‏

ج - السّرقة‏:‏

15 - حدّد المالكيّة والحنابلة النّصاب الّذي يقطع به السّارق بالنّسبة للدّراهم بثلاثة دراهم، أو ما قيمته ثلاثة دراهم، لما روى ابن عمر‏:‏ «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قطع في مجنّ ثمنه ثلاثة دراهم»‏.‏

وحدّد الحنفيّة النّصاب بعشرة دراهم، واستدلّوا بما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «لا يقطع السّارق إلاّ في عشرة دراهم»‏.‏

أمّا الشّافعيّة فقد قدّروا نصاب السّرقة بربع دينار أو ما قيمته ربع دينار، كما روت عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقطع السّارق في ربع دينارفصاعداً»‏.‏ وفي الموضوع تفصيلات كثيرة تنظر في‏:‏ ‏(‏سرقة‏)‏‏.‏

د - المهر‏:‏

16 - اختلف الفقهاء هل يتقدّر أقلّ الصّداق أم لا‏؟‏‏.‏

فذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّ أقلّ الصّداق يتقدّر بما تقطع فيه يد السّارق، وذلك مقدّر عند الحنفيّة بعشرة دراهم، وعند المالكيّة بثلاثة دراهم، واستدلّ الحنفيّة بما روي عن جابر رضي الله عنه أنّه قال‏.‏ لا مهر دون عشرة‏.‏

وعند الشّافعيّة والحنابلة لا حدّ لأقلّه‏.‏ وينظر تفصيل ذلك في‏:‏ ‏(‏صداق‏)‏‏.‏

اعتبار وزن الدّرهم الشّرعيّ في الحقوق الشّرعيّة المقدّرة بالدّراهم

17 - ما حدّده الإسلام في الحقوق الشّرعيّة مقدّرًا بالدّراهم، كالزّكاة، والدّية، ونصاب السّرقة، وغير ذلك يعتبر في هذا التّقدير الوزن دون العدد باتّفاق الفقهاء‏.‏

وإنّما اعتبر الوزن في الدّراهم دون العدد، لأنّ الدّراهم اسم للموزون، لأنّه عبارة عن قدر من الموزون مشتمل على جملة موزونة من الدّوانيق والحبّات، حتّى لو كان وزنها دون المائتين وعددها مائتان، أو قيمتها لجودتها وصياغتها تساوي مائتين فلا زكاة فيها‏.‏ واعتبار الوزن في الدّراهم إنّما هو في الحقوق المقدّرة من قبل الشّرع، أمّا المعاملات الّتي تتمّ بين النّاس من بيع وشراء، وإجارة، وقرض، ورهن، وغير ذلك فلا يشترط فيها ذلك، وإنّما يجري فيها ما يتعامل به النّاس، ولذلك يقول ابن عابدين‏:‏ إذا أطلق الدّرهم في العقد انصرف إلى المتعارف، وكذلك إذا أطلق الواقف‏.‏ وينظر تفصيل ذلك في أبوابها‏.‏

ما يجوز التّصرّف فيه بالدّراهم وما لا يجوز

18 - يختلف الفقهاء في بعض التّصرّفات، هل يجوز التّصرّف فيها بالدّراهم أو لا يجوز‏؟‏ ومن ذلك مثلاً‏:‏ إجارة الدّراهم، أو رهنها، أو وقفها على الإقراض، أو على القراض ‏"‏ المضاربة ‏"‏ أو غير ذلك‏.‏ ففي الوقف مثلاً يقول ابن قدامة‏:‏ ما لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه كالدّنانير والدّراهم لا يصحّ وقفه في قول عامّة الفقهاء وأهل العلم‏.‏

وأجاز مالك وبعض الشّافعيّة وقفها‏.‏ وينظر تفصيل ذلك في أبوابها‏.‏

درديّ الخمر

انظر‏:‏ أشربة‏.‏

درك

انظر‏:‏ ضمان الدّرك‏.‏

دعاء

التّعريف

1 - الدّعاء لغةً مصدر دعوت اللّه أدعوه دعاءً ودعوى، أي ابتهلت إليه بالسّؤال ورغبت فيما عنده من الخير‏.‏ وهو بمعنى النّداء يقال‏:‏ دعا الرّجل دعواً ودعاءً أي‏:‏ ناداه، ودعوت فلانًا صحت به واستدعيته، ودعوت زيداً ناديته وطلبت إقباله‏.‏

ودعا المؤذّن النّاس إلى الصّلاة فهو داعي اللّه، والجمع‏:‏ دعاة وداعون‏.‏ ودعاه يدعوه دعاءً ودعوى‏:‏ أي‏:‏ رغب إليه، ودعا زيداً‏:‏ استعانه، ودعا إلى الأمر‏:‏ ساقه إليه‏.‏

والدّعاء في الاصطلاح‏:‏ الكلام الإنشائيّ الدّالّ على الطّلب مع الخضوع،ويسمّى أيضاً سؤالاً‏.‏ وقد قال الخطّابيّ‏:‏ حقيقة الدّعاء استدعاء العبد من ربّه العناية واستمداده إيّاه المعونة، وحقيقته إظهار الافتقار إليه، والبراءة من الحول والقوّة الّتي له، وهو سمة العبوديّة وإظهار الذّلّة البشريّة، وفيه معنى الثّناء على اللّه، وإضافة الجود والكرم إليه‏.‏

2 - وقد ورد في القرآن الكريم بمعان منها‏:‏

أ - الاستغاثة‏:‏ كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ، بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ‏}‏‏.‏

ب - العبادة‏:‏ كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ‏}‏‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ‏}‏‏.‏

وقوله تعالى ‏{‏لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطاً‏}‏‏.‏

ج - النّداء‏:‏ ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ‏}‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا‏}‏‏.‏

د - الطّلب والسّؤال من اللّه‏:‏ وهو المراد هنا كما في قوله تعالى ‏{‏وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ‏}‏‏.‏وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ‏}‏‏.‏

ويوافق هذا المعنى ما يقال‏:‏ دعوت اللّه أدعوه دعاءً، أي ابتهلت إليه بالسّؤال، ورغبت فيما عنده من الخير، والدّاعي اسم الفاعل من الدّعاء، والجمع دعاة، وداعون، مثل قاض وقضاة وقاضون‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الاستغفار‏:‏

3 - الاستغفار في اللّغة طلب المغفرة بالقول والفعل، وفي اصطلاح الفقهاء أيضاً يستعمل في ذلك المعنى‏.‏ والمغفرة في الأصل السّتر، والمراد بالاستغفار طلب التّجاوز عن الذّنب، فالمستغفر يطلب من اللّه تعالى المغفرة، أي عدم المؤاخذة بالذّنب والتّجاوز عنه‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ‏}‏‏.‏ والنّسبة بين الاستغفار والدّعاء العموم والخصوص المطلق، فكلّ استغفار دعاء، وليس كلّ دعاء استغفاراً‏.‏

ب - الذّكر‏:‏

4 - الذّكر هو التّلفّظ بالشّيء وإحضاره في الذّهن بحيث لا يغيب عنه‏.‏

وذكر اللّه بالمعنى الأعمّ شامل للدّعاء وغيره‏.‏ وبالمعنى الأخصّ الّذي هو تمجيد اللّه وتقديسه وذكر أسمائه الحسنى وصفاته العليا مباين للدّعاء، وانظر مصطلح‏:‏ ‏(‏ذكر‏)‏‏.‏

حكم الدّعاء

5 - قال النّوويّ‏:‏ إنّ المذهب المختار الّذي عليه الفقهاء والمحدّثون وجماهير العلماء من الطّوائف كلّها من السّلف والخلف أنّ الدّعاء مستحبّ‏.‏

وقد يكون الدّعاء واجباً كالدّعاء الّذي تضمّنته سورة الفاتحة أثناء الصّلاة‏.‏ وكالدّعاء الوارد في صلاة الجنازة، وكالدّعاء في خطبة الجمعة عند بعض الفقهاء‏.‏ ر‏:‏ ‏(‏صلاة، صلاة الجنازة، خطبة‏)‏‏.‏

ثمّ هل الأفضل الدّعاء أم السّكوت والرّضا بما سبق به القدر‏؟‏

نقل النّوويّ عن القشيريّ قوله‏:‏ اختلف النّاس في أنّ الأفضل الدّعاء أم السّكوت والرّضا‏؟‏ فمنهم من قال‏:‏ الدّعاء عبادة لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «الدّعاء هو العبادة»‏.‏

ولأنّ الدّعاء إظهار الافتقار إلى اللّه تعالى‏.‏

وقالت طائفة‏:‏ السّكوت تحت جريان الحكم أتمّ، والرّضا بما سبق به القدر أولى‏.‏

وقال قوم‏:‏ يكون صاحب دعاء بلسانه ورضاً بقلبه ليأتي بالأمرين جميعاً‏.‏

فضل الدّعاء

6 - ورد في فضل الدّعاء نصوص كثيرة من الكتاب والسّنّة نورد بعضها فيما يلي‏:‏

قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ‏}‏‏.‏

ومعنى القرب هنا كما نقل عن الزّركشيّ، أنّه إذا أخلص في الدّعاء، واستغرق في معرفة اللّه، امتنع أن يبقى بينه وبين الحقّ واسطة، وذلك هو القرب‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ‏}‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى‏}‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ‏}‏‏.‏ وروى النّعمان بن بشير عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «إنّ الدّعاء هو العبادة، ثمّ قرأ‏:‏ ‏{‏ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ‏}‏» الآية‏.‏

وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «الدّعاء مخّ العبادة»، وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّ اللّه حييّ كريم يستحيي إذا رفع الرّجل إليه يديه أن يردّهما صفراً خائبتين»‏.‏ وروى أبو هريرة أنّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «ليس شيء أكرم على اللّه عزّ وجلّ من الدّعاء»‏.‏

وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ما على الأرض مسلم يدعو اللّه بدعوة إلاّ آتاه اللّه إيّاها أو صرف عنه من السّوء مثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم»‏.‏ وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «سلوا اللّه تعالى من فضله، فإنّه تعالى يحبّ أن يسأل، وأفضل العبادة انتظار الفرج»‏.‏

أثر الدّعاء

7 - الدّعاء عبادة، وله أثر بالغ وفائدة عظيمة، ولولا ذلك لم يأمرنا الحقّ عزّ وجلّ بالدّعاء ولم يرغب النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيه، فكم رفعت محنة بالدّعاء، وكم من مصيبة أو كارثة كشفها اللّه بالدّعاء، وقد أورد القرآن الكريم جملةً من الأدعية استجابها اللّه تعالى بمنّه وفضله وكرمه، وكان من جملة أسباب النّصر في بدر دعاء النّبيّ صلى الله عليه وسلم والدّعاء سبب أكيد لغفران المعاصي، ولرفع الدّرجات،ولجلب الخير ودفع الشّرّ‏.‏ ومن ترك الدّعاء فقد سدّ على نفسه أبواباً كثيرةً من الخير‏.‏

وقال الغزاليّ‏:‏ فإن قلت‏:‏ فما فائدة الدّعاء والقضاء لا مردّ له‏؟‏

فاعلم أنّ من القضاء ردّ البلاء بالدّعاء، فالدّعاء سبب لردّ البلاء واستجلاب الرّحمة، كما أنّ التّرس سبب لردّ السّهام، والماء سبب لخروج النّبات من الأرض، فكما أنّ التّرس يدفع السّهم فيتدافعان، فكذلك الدّعاء والبلاء يتعالجان‏.‏

وليس من شرط الاعتراف بقضاء اللّه تعالى أن لا يحمل السّلاح، وقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ‏}‏، كما أنّه ليس من شرطه أن لا يسقي الأرض بعد بثّ البذر، فيقال‏:‏ إن سبق القضاء بالنّبات نبت البذر وإن لم يسبق لم ينبت، بل ربط الأسباب بالمسبّبات هو القضاء الأوّل الّذي هو كلمح البصر أو هو أقرب، وترتيب تفصيل المسبّبات على تفاصيل الأسباب على التّدريج والتّقدير هو القدر، والّذي قدّر الخير قدّره بسبب، والّذي قدّر الشّرّ قدّر لرفعه سبباً، فلا تناقض بين هذه الأمور عند من انفتحت بصيرته‏.‏

ثمّ في الدّعاء من الفائدة أنّه يستدعي حضور القلب مع اللّه وهو منتهى العبادات، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «الدّعاء مخّ العبادة»‏.‏

والغالب على الخلق أن لا تنصرف قلوبهم إلى ذكر اللّه عزّ وجلّ إلاّ عند إلمام حاجة وإرهاق ملمّة، فإنّ الإنسان إذا مسّه الشّرّ فذو دعاء عريض‏.‏

فالحاجة تحوج إلى الدّعاء، والدّعاء يردّ القلب إلى اللّه عزّ وجلّ بالتّضرّع والاستكانة، فيحصل به الذّكر الّذي هو أشرف العبادات‏.‏ ولذلك صار البلاء موكّلاً بالأنبياء عليهم السلام، ثمّ الأولياء، ثمّ الأمثل فالأمثل، لأنّه يردّ القلب بالافتقار والتّضرّع إلى اللّه عزّ وجلّ، ويمنع من نسيانه، وأمّا الغنى فسبب للبطر في غالب الأمور، فإنّ الإنسان ليطغى أن رآه استغنى‏.‏ وقال الخطّابيّ‏:‏ فإن قيل فما تأويل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ‏}‏ وهو وعد من اللّه يلزم الوفاء به، ولا يجوز وقوع الخلف فيه‏؟‏ قيل هذا مضمر فيه المشيئة، كقوله تعالى‏:‏

‏{‏بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء‏}‏‏.‏

وقد يرد الكلام بلفظ عامّ مراده خاصّ، وإنّما يستجاب من الدّعاء ما وافق القضاء، ومعلوم أنّه لا تظهر لكلّ داع استجابة دعائه،فعلمت أنّه إنّما جاء في نوع خاصّ منه بصفة معلومة‏.‏ وقد قيل‏:‏ معنى الاستجابة‏:‏ أنّ الدّاعي يعوّض من دعائه عوضاً ما، فربّما كان ذلك إسعافاً بطلبته الّتي دعا لها، وذلك إذا وافق القضاء، فإن لم يساعده القضاء، فإنّه يعطى سكينةً في نفسه، وانشراحاً في صدره، وصبراً يسهل معه احتمال ثقل الواردات عليه، وعلى كلّ حال فلا يعدم فائدة دعائه، وهو نوع من الاستجابة‏.‏

آداب الدّعاء

8 - أ - أن يكون مطعم الدّاعي ومسكنه وملبسه وكلّ ما معه حلالاً‏.‏

بدليل ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏

«أيّها النّاس‏:‏ إنّ اللّه تعالى طيّب لا يقبل إلاّ طيّباً، وإنّ اللّه أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ‏}‏ ثمّ ذكر الرّجل يطيل السّفر أشعث أغبر يمدّ يديه إلى السّماء، يا ربّ، يا ربّ، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذّي بالحرام، فأنّى يستجاب لذلك»‏.‏

ب - أن يترصّد لدعائه الأوقات الشّريفة كيوم عرفة من السّنة، ورمضان من الأشهر، ويوم الجمعة من الأسبوع، ووقت السّحر من ساعات اللّيل‏.‏

قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ‏}‏ وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ينزل اللّه تعالى كلّ ليلة إلى السّماء الدّنيا حين يبقى ثلث اللّيل الآخر يقول‏:‏ من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له»‏.‏

ج - أن يغتنم الأحوال الشّريفة‏.‏ قال أبو هريرة رضي الله عنه‏:‏ إنّ أبواب السّماء تفتح عند زحف الصّفوف في سبيل اللّه تعالى، وعند نزول الغيث، وعند إقامة الصّلوات المكتوبة، فاغتنموا الدّعاء فيها‏.‏ وقال مجاهد‏:‏ إنّ الصّلاة جعلت في خير السّاعات فعليكم بالدّعاء خلف الصّلوات‏.‏ وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا يردّ الدّعاء بين الأذان والإقامة»‏.‏

وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً‏:‏ «الصّائم لا تردّ دعوته»‏.‏

وبالحقيقة يرجع شرف الأوقات إلى شرف الحالات أيضاً، إذ وقت السّحر وقت صفاء القلب وإخلاصه وفراغه من المشوّشات، ويوم عرفة ويوم الجمعة وقت اجتماع الهمم وتعاون القلوب على استدرار رحمة اللّه عزّ وجلّ، فهذا أحد أسباب شرف الأوقات سوى ما فيها من أسرار لا يطّلع البشر عليها‏.‏

وحالة السّجود أيضاً أجدر بالإجابة، قال أبو هريرة رضي الله عنه‏:‏ قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أقرب ما يكون العبد من ربّه عزّ وجلّ وهو ساجد فأكثروا الدّعاء»‏.‏

وروى ابن عبّاس رضي الله عنهما عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «إنّي نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، فأمّا الرّكوع فعظّموا فيه الرّبّ تعالى، وأمّا السّجود فاجتهدوا في الدّعاء فقمن أن يستجاب لكم»‏.‏

د - أن يدعو مستقبل القبلة ويرفع يديه بحيث يرى بياض إبطيه‏.‏ روى جابر بن عبد اللّه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أتى الموقف بعرفة واستقبل القبلة ولم يزل يدعو حتّى غربت الشّمس‏.‏ وقال سلمان‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّ ربّكم حييّ كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردّهما صفراً» وروى أنس أنّه رأى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في الدّعاء حتّى يرى بياض إبطيه‏.‏

هـ - أن يمسح بهما وجهه في آخر الدّعاء‏.‏ قال عمر رضي الله عنه‏:‏ «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا مدّ يديه في الدّعاء لم يردّهما حتّى يمسح بهما وجهه»‏.‏

وقال ابن عبّاس‏:‏ «كان صلى الله عليه وسلم إذا دعا ضمّ كفّيه وجعل بطونهما ممّا يلي وجهه»‏.‏

فهذه هيئات اليد، ولا يرفع بصره إلى السّماء‏.‏ قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لينتهينّ أقوام عن رفعهم أبصارهم عند الدّعاء في الصّلاة إلى السّماء أو لتخطفنّ أبصارهم»‏.‏

و - خفض الصّوت بين المخافتة والجهر لقوله عزّ وجلّ‏:‏ ‏{‏ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً‏}‏، ولما روي أنّ أبا موسى الأشعريّ قال‏:‏ «قدمنا مع رسول اللّه فلمّا دنونا من المدينة كبّر، وكبّر النّاس ورفعوا أصواتهم، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ يا أيّها النّاس‏:‏ اربعوا على أنفسكم، إنّكم ليس تدعون أصمّ ولا غائباً، إنّكم تدعون سميعاً قريباً، والّذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلة أحدكم» وقالت عائشة رضي الله عنها في قوله عزّ وجلّ‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا‏}‏ أي بدعائك، وقد أثنى اللّه عزّ وجلّ على نبيّه زكريّا عليه السلام حيث قال‏:‏ ‏{‏إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً‏}‏‏.‏

ز - أن لا يتكلّف السّجع في الدّعاء فإنّ حال الدّاعي ينبغي أن يكون حال متضرّع، والتّكلّف لا يناسبه‏.‏ قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «سيكون قوم يعتدون في الدّعاء»، وقد قال عزّ وجلّ‏:‏ ‏{‏ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ‏}‏، وقيل معناه التّكلّف للأسجاع، والأولى أن لا يجاوز الدّعوات المأثورة، فإنّه قد يعتدي في دعائه فيسأل ما لا تقتضيه مصلحته، فما كلّ أحد يحسن الدّعاء، وللبخاريّ عن ابن عبّاس‏:‏ «وانظر السّجع من الدّعاء فاجتنبه، فإنّي عهدت أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لا يفعلون إلاّ ذلك»‏.‏ ح - التّضرّع والخشوع والرّغبة والرّهبة قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً‏}‏ وقال عزّ وجلّ‏:‏ ‏{‏ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً‏}‏‏.‏

ط - أن يجزم الدّعاء ويوقن بالإجابة‏.‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا يقولن أحدكم اللّهمّ اغفر لي إن شئت، اللّهمّ ارحمني إن شئت،ليعزم المسألة فإنّه لا مستكره له»‏.‏ وقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا دعا أحدكم فليعظم الرّغبة فإنّ اللّه لا يتعاظمه شيء»‏.‏ وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ادعوا اللّه وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أنّ اللّه عزّ وجلّ لا يستجيب دعاءً من قلب غافل»‏.‏ وقال سفيان بن عيينة‏:‏ لا يمنعنّ أحدكم من الدّعاء ما يعلم من نفسه، فإنّ اللّه عزّ وجلّ أجاب دعاء شرّ الخلق إبليس لعنه اللّه إذ ‏{‏قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ، قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ‏}‏‏.‏

ي - أن يلحّ في الدّعاء ويكرّره ثلاثاً، قال ابن مسعود‏:‏ «كان عليه الصلاة والسلام إذا دعا دعا ثلاثاً، وإذا سأل سأل ثلاثاً»‏.‏

ك - أن لا يستبطئ الإجابة لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول قد دعوت فلم يستجب لي‏.‏ فإذا دعوت فاسأل اللّه كثيراً فإنّك تدعو كريماً»‏.‏

ل - أن يفتتح الدّعاء بذكر اللّه عزّ وجلّ وبالصّلاة على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بعد الحمد للّه والثّناء عليه، ويختمه بذلك كلّه أيضاً، لما ورد عن فضالة بن عبيد قال‏:‏ «سمع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو في صلاته لم يحمد اللّه ولم يصلّ على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ عجل هذا ثمّ دعاه، فقال له أو لغيره‏:‏ إذا صلّى أحدكم فليبدأ بتحميد اللّه والثّناء، ثمّ يصلّي على النّبيّ صلى الله عليه وسلم ثمّ يدعو بما شاء»‏.‏ ودليل ختمه بذلك قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ وأمّا الصّلاة على النّبيّ فلقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا تجعلوني كقدح الرّاكب يجعل ماءه في قدحه، فإن احتاج إليه شربه، وإلاّ صبّه، اجعلوني في أوّل كلامكم وأوسطه وآخره»‏.‏ م - وهو الأدب الباطن، وهو الأصل في الإجابة‏:‏ التّوبة وردّ المظالم والإقبال على اللّه عزّ وجلّ بكنه الهمّة، فذلك هو السّبب القريب في الإجابة‏.‏

الدّعاء مع التّوسّل بصالح العمل

9 - يستحبّ لمن وقع في شدّة أن يدعو بصالح عمله، لحديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ «انطلق ثلاثة نفر ممّن كان قبلكم حتّى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدّت عليهم الغار، فقالوا‏:‏ إنّه لا ينجيكم من هذه الصّخرة إلاّ أن تدعوا اللّه بصالح أعمالكم‏.‏ قال رجل منهم‏.‏‏.‏»‏.‏ الحديث بطوله وهو مذكور ضمن بحث ‏(‏توسّل - ف / 7‏)‏‏.‏

تعميم الدّعاء

10 - يستحبّ تعميم الدّعاء لقوله صلى الله عليه وسلم لعليّ كرّم اللّه وجهه‏:‏ «يا عليّ عمّم» ولحديث‏:‏ «من صلّى صلاةً لم يدع فيها للمؤمنين والمؤمنات فهي خداج»‏.‏

وفي حديث آخر‏:‏ «أنّه صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول‏:‏ اللّهمّ اغفر لي، فقال‏:‏ ويحك لو عمّمت لاستجيب لك»‏.‏

الاعتداء في الدّعاء

11 - نهى اللّه تعالى عن الاعتداء في الدّعاء بقوله‏:‏ ‏{‏ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ‏}‏ وورد في الحديث‏:‏ «سيكون قوم يعتدون في الدّعاء»‏.‏

قال القرطبيّ‏:‏ المعتدي هو المجاوز للحدّ ومرتكب الحظر، وقد يتفاضل بحسب ما يعتدى فيه، ثمّ قال‏:‏ والاعتداء في الدّعاء على وجوه‏:‏ منها الجهر الكثير والصّياح، ومنها أن يدعو أن تكون له منزلة نبيّ، أو يدعو بمحال ونحو هذا من الشّطط‏.‏ ومنها أن يدعو طالباً معصيةً، ونحو ذلك‏.‏

وقال ابن عابدين‏:‏ ويحرم سؤال العافية مدى الدّهر، والمستحيلات العاديّة كنزول المائدة، والاستغناء عن التّنفّس في الهواء، أو ثماراً من غير أشجار، كما يحرم الدّعاء بالمغفرة للكفّار‏.‏

الدّعاء بالمأثور وغير المأثور

12 - ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز كلّ دعاء دنيويّ وأخرويّ، ولكنّ الدّعاء بالمأثور أفضل من غيره‏.‏

الدّعاء في الصّلاة

13 - قال الحنفيّة والحنابلة‏:‏ يسنّ الدّعاء في التّشهّد الأخير بعد الصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم بما يشبه ألفاظ القرآن، أو بما يشبه ألفاظ السّنّة، ولا يجوز له الدّعاء بما يشبه كلام النّاس كأن يقول‏:‏ اللّهمّ زوّجني فلانة، أو اعطني كذا من الذّهب والفضّة والمناصب‏.‏

وأمّا المالكيّة والشّافعيّة فذهبوا إلى أنّه‏:‏ يسنّ الدّعاء بعد التّشهّد وقبل السّلام بخيري الدّين والدّنيا، ولا يجوز أن يدعو بشيء محرّم أو مستحيل أو معلّق، فإن دعا بشيء من ذلك بطلت صلاته، والأفضل أن يدعو بالمأثور‏.‏

طلب الدّعاء من أهل الفضل

14 - يستحبّ طلب الدّعاء من أهل الفضل وإن كان الطّالب أفضل من المطلوب منه، فعن عمر بن الخطّاب - رضي الله عنه - قال‏:‏ استأذنت النّبيّ صلى الله عليه وسلم في العمرة، فأذن، وقال‏:‏ «لا تنسنا يا أخي من دعائك» فقال كلمةً ما يسرّني أنّ لي بها الدّنيا‏.‏

فضل الدّعاء بظهر الغيب

15 - قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ‏}‏‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ‏}‏‏.‏

وقال تعالى إخبارًا عن إبراهيم صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ‏}‏ وقال تعالى إخباراً عن نوح صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ‏}‏‏.‏

وعن أبي الدّرداء - رضي الله عنه - أنّه سمع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ «ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلاّ قال الملك، ولك بمثل» وفي رواية أخرى أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يقول‏:‏ «دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكّل كلّما دعا لأخيه بخير، قال الملك الموكّل به‏:‏ آمين، ولك بمثل»‏.‏ وعن عبد اللّه بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «إنّ أسرع الدّعاء إجابةً دعوة غائب لغائب»‏.‏

استحباب الدّعاء لمن أحسن إليه

16 - قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من صنع إليه معروف فقال لفاعله‏:‏ جزاك اللّه خيراً، فقد أبلغ في الثّناء»‏.‏ وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ «من صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتّى تروا أنّكم قد كافأتموه»‏.‏

الدّعاء للذّمّيّ إذا فعل معروفاً

17 - قال النّوويّ‏:‏ اعلم أنّه لا يجوز أن يدعى له ‏"‏ أي الذّمّيّ ‏"‏ بالمغفرة وما أشبهها ممّا لا يقال للكفّار، لكن يجوز أن يدعى له بالهداية وصحّة البدن والعافية وشبه ذلك‏.‏ لما روي عن أنس - رضي الله عنه - قال‏:‏ «استسقى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فسقاه يهوديّ، فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ جمّلك اللّه فما رأى الشّيب حتّى مات»‏.‏

دعاء الإنسان على من ظلمه أو ظلم المسلمين

18 - قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ‏}‏‏.‏

قال القرطبيّ‏:‏ الّذي يقتضيه ظاهر الآية أنّ للمظلوم أن ينتصر من ظالمه، ولكن مع اقتصاد إن كان الظّالم مؤمناً، كما قال الحسن، وإن كان كافراً فأرسل لسانك وادع بما شئت من الهلكة وبكلّ دعاء، كما فعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم حيث قال‏:‏ «اللّهمّ اشدد وطأتك على مضر‏.‏ اللّهمّ اجعلها عليهم سنين كسني يوسف»‏.‏

وقال‏:‏ «اللّهمّ عليك بفلان وفلان سمّاهم»‏.‏

وإن كان مجاهراً بالظّلم دعا عليه جهراً، ولم يكن له عرض محترم، ولا بدن محترم، ولا مال محترم‏.‏ وقد روى أبو داود عن «عائشة قال‏:‏ سرق لها شيء فجعلت تدعو عليه، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا تسبّخي عنه» أي لا تخفّفي عنه العقوبة بدعائك عليه‏.‏

قال النّوويّ‏:‏ اعلم أن هذا الباب واسع جدًّا، وقد تظاهر على جوازه نصوص الكتاب والسّنّة، وأفعال سلف الأمّة وخلفها، وقد أخبر اللّه سبحانه وتعالى في مواضع كثيرة معلومة من القرآن عن الأنبياء صلوات اللّه وسلامه عليهم بدعائهم على الكفّار‏.‏

وعن عليّ - رضي الله عنه - أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب‏:‏ «ملأ اللّه قبورهم وبيوتهم ناراً كما حبسونا وشغلونا عن الصّلاة الوسطى»‏.‏

وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه‏:‏ «أنّ رجلاً أكل بشماله عند رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ كل بيمينك قال‏:‏ لا أستطيع، قال‏:‏ لا استطعت، ما منعه إلاّ الكبر، قال‏:‏ فما رفعها إلى فيه»‏.‏

قال النّوويّ‏:‏ هذا الرّجل هو بُسر - بضمّ الباء وبالسّين المهملة - ابن راعي العير الأشجعيّ، صحابيّ، ففيه جواز الدّعاء على من خالف الحكم الشّرعيّ‏.‏

وعن جابر بن سمرة قال‏:‏ شكا أهل الكوفة سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه إلى عمر رضي الله عنه، فعزله واستعمل عليهم‏.‏‏.‏ وذكر الحديث إلى أن قال‏:‏ أرسل معه عمر رجالاً أو رجلاً إلى الكوفة يسأل عنه، فلم يدع مسجداً إلاّ سأل عنه ويثنون معروفاً، حتّى دخل مسجداً لبني عبس، فقام له رجل منهم يقال له‏:‏ أسامة بن قتادة، يكنّى أبا سعدة فقال‏:‏ أمّا إذا نشدتنا فإنّ سعداً لا يسير بالسّريّة، ولا يقسم بالسّويّة، ولا يعدل في القضيّة‏.‏ قال سعد‏:‏ أما واللّه لأدعونّ بثلاث‏:‏ اللّهمّ إن كان عبدك هذا كاذباً قام رياءً وسمعةً فأطل عمره، وأطل فقره، وعرّضه للفتن‏.‏ فكان بعد ذلك يقول‏:‏ شيخ مفتون أصابتني دعوة سعد‏.‏ قال عبد الملك بن عمير الرّاوي عن جابر بن سمرة‏:‏ فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وإنّه ليتعرّض للجواري في الطّرق فيغمزهنّ‏.‏

وعن عروة بن الزّبير، أنّ سعيد بن زيد رضي الله عنهما، خاصمته أروى بنت أوس - وقيل‏:‏ أويس - إلى مروان بن الحكم، وادّعت أنّه أخذ شيئاً من أرضها، فقال سعيد رضي الله عنه‏:‏ أنا كنت آخذ من أرضها شيئاً بعد الّذي سمعت من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قال‏:‏ ما سمعت من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قال سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ «من أخذ شبراً من الأرض ظلماً طوّقه إلى سبع أرضين»‏.‏ قال مروان‏:‏ لا أسألك بيّنةً بعد هذا، فقال سعيد‏:‏ اللّهمّ إن كانت كاذبةً فأعم بصرها واقتلها في أرضها، قال‏:‏ فما ماتت حتّى ذهب بصرها، وبينما هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرة فماتت‏.‏

نهي المكلّف عن دعائه على نفسه وولده

19 - قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من اللّه ساعةً يسأل فيها عطاءً فيستجيب لكم»‏.‏

الأدعية في المناسبات

20 - هناك أدعية تقال أثناء الصّلوات الخمس وبعدها، وعند صلاة الكسوف، والخسوف، والاستسقاء، والحاجة، والاستخارة، تنظر في مواضعها، وأدعية تتعلّق برؤية الهلال، وأثناء الصّيام، وعند الإفطار، وفي ليلة القدر، تنظر في مصطلح ‏(‏صوم‏)‏‏.‏

وأدعية تقال في أعمال الحجّ تنظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏حجّ‏)‏‏.‏

وأدعية تقال بعد عقد النّكاح، وعند الزّفاف تذكر في مصطلح‏:‏ ‏(‏نكاح‏)‏‏.‏

وهناك أدعية في الصّباح والمساء، وعند المهمّات، ألّفت فيها كتب قيّمة، ككتاب الأذكار للنّوويّ، وعمل اليوم واللّيلة للنّسائيّ، ولابن السّنّيّ وغيرها‏.‏